مني

منى

بين ويلات الحرب و دمارها, كان الخروج هو الملجأ الوحيد. الخروج من البلدة التي طالما فتحت أبوابها علي مصراعيها لعاشقي الجمال. لكن, و إن كان الخروج منجي للجسد, فأني يكون للروح من منجي؟!

 

“كأني تركت شخصيتي القوية بسوريا و صرت شخص ضعيف و غير واثق في حالي, مع اني كنت مدرسة عربي شاطرة و مستقلة, بس من ساعة ما جيت علي هون صرت بخاف كتير و مش بعتمد علي حالي في اي شي, حتي بخاف فوت عالشارع وحدي من غير زوجي.”

 

“مني”, هي امرأة سورية جاءت الي مصر مع من جاءوا, آمله في حياة أفضل لم يتثنى لها الحصول عليها. اصابة ابنها بالتوحد زادت معانة علي معاناتها, خاصة مع تخلي زوجها تماما عن تحمل مسئوليته. كانت تضطر أن تسهر بجواره كل ليلة خوفا من أن يوقظ بكائه أبيه فيضربه بلا رحمة. حرمت نفسها من أبسط حقوقها, و عجزت عن التعبير عن آلامها, حتي زيارة الطبيب لم تجريها سوي بعد شهرين من اصابتها بنزيف لا يتوقف. كتمت كل شيء بداخلها خوفا من تخلي زوجها عنها.

 

“كنت بظن انه حق زوجي يعاملني هيك, كنت بظن انه حقه يهيني و يضربني, و يلومني علي مرض ابني, قبلت كل شي خوفا من الانفصال, بس تعبت و صرت مش قادرة اتحمل اكتر من هيك.”

 

انضمامها الي مشروع “مساحة صغيرة” الذي يقدم الدعم النفسي للنساء السوريات كان نقطة التحول في حياة “مني”, التي أدركت أن تغيير حياتها يجب أن يبدأ منها هي. تعلمت “مني” ضرورة الدفاع عن حقوقها و مواجهة زوجها, رفضت ضربه لها و لأبنهما, و طالبته بضرورة تحمل مسئوليته معها و أن يسهر ليلا معه مرة واحدة علي الأقل أسبوعيا لتستريح هي. حين رفض مطالبها صعدت الأمور لأهله و طلبت منه الطلاق, و لدهشتها أدي هذا الي تراجعه و اعتذاره و رضوخه للموافقة.

 

“خوفي من الطلاق ما حماني بالعكس دمر حياتي, لما قررت أخاطر بكل شي من اجل كرامتي كسبت كل شي.  الأمر كان محتاج مني شجاعة و مواجهة. اليوم أنا حاسة اني استعدت شخصيتي القديمة, اليوم انا قوية و ما عندي استعداد اتنازل عن حقوقي أبدا.”

 

لازلنا رغم الكسرة و الألم قادرين علي الحياة, البقاء غريزة, لكن الحياة فن, لا يتقنه سوي ذوي القلوب الغضة، التي لا ترهبها قذائف و لا تميتها بنادق… يشدوا أزرهم، فلا الحياة ترحم المنكسرة قلوبهم، ولا تأخذها بهم هوادة. ينطلقن لغد أفضل…فلأجلهن، لأجلهن فقط، سيزور الربيع هذي الديار.

 

Tagged